سورة الفاتحة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفاتحة)


        


المالك من له المُلك، ومُلك الحق سبحانه وتعالى قدرته على الإبداع، فالملك مبالغة من المالك وهو سبحانه الملك المالك، وله المُلك. وكما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو، فهو بإلهيته متوحد، وبملكه متفرد، ملك نفوس العابدين فصرفها في خدمته، وملك قلوب العارفين فشرِّفها بمعرفته، وملك نفوس القاصدين فتيَّمها، وملك قلوب الواجدين فهيَّمها. ملك أشباح منْ عبَدَه فلاطفها بنواله وأفضاله، وملك أرواح مَنْ أحبهم (....) فكاشفها بنعت جلاله، ووصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء ووفَّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء، ولم يَكِلْهم إليهم لحظة، ولا مَلَّكَهم من أمرهم سِنَّةٌ ولا خطرة، وكان لهم عنهم، وأفناؤهم له منهم.

فصل:
مَلَكَ قلوبَ العابدين إحسانُه فطمعوا في عطائه، وملك قلوب الموحدين سلطانُه فقنعوا ببقائه. عرَّف أربابَ التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم، علموا أن العبد لا ملك له، ومن لا ملك له لا حكم له، ومن لا حكم له لا اختيار له، فلا لهم عن طاعته إعراض ولا على حكمه اعتراض، ولا في اختياره معارضة، ولا لمخالفته تعرّض، {ويوم الدين}. يومُ الجزاء والنشر، ويوم الحساب والحشر- الحق سبحانه وتعالى يجزي كلاً بما يريد، فَمِنْ بين مقبولٍ يوم الحشر بفضله سبحانه وتعالى لا بفعلهم، ومن بين مردودٍ بحكمه سبحانه وتعالى لا بِجُرْمِهم. فأمَّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم وأمَّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم:
قومٌ إذا ظفروا بنا *** جادوا بعتق رقابنا


معناه نعبدك وتستعين بك. والابتداء بذكر المعبود أتمُّ من الابتداء بذكر صفته- التي هي عبادته واستعانته، وهذه الصيغة أجزل في اللفظ، وأعذب في السمع. والعبادة الإتيان بغاية ما في (بابها) من الخضوع، ويكون ذلك بموافقة الأمر، والوقوف حيثما وقف الشرع.
والاستعانة طلب الإعانة من الحق.
والعبادة تشير إلى بذل الجهد والمُنَّة، والاستعانة تخبر عن استجلاب الطول والمِنَّة، فبالعبادة يظهر شرف العبد، وبالاستعانة يحصل اللطف للعبد. في العبادة وجود شرفه، وبالاستعانة أمان تلفه. والعبادة ظاهرها تذلل، وحقيقتها تعزز وتجمُّل:
وإذا تذللت الرقاب تقرباً *** مِنَّا إليك فعزُّها في ذُلِّها
وفي معناه:
حين أسلَمْتَني لذالٍ ولام *** ألقيتني في عينِ وزاي

فصل:
العبادة نزهة القاصدين، ومستروح المريدين، ومربع الأنس للمحبين، ومرتع البهجة للعارفين. بها قُرَّةُ أعينهم، وفيها مسرة قلوبهم، ومنها راحة أرواحهم. وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «أرِحنا بها يا بلال» ولقد قال مخلوق في مخلوق:
يا قوم ثاري عند أسمائي *** يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أصدق أسمائي
والاستعانة إجلالك لنعوت كرمه، ونزلك بساحة جوده، وتسليمك إلى يد حكمه، فتقصده بأمل فسيح، وتخطو إليه بخطو وسيع، وتأمل فيه برجاء قوي، وتثق بكرم أزلي، وتنكل على اختيار سابق، وتعتصم بسبب جوده (غير ضعف).


الهداية الإرشاد، وأصلها الإمالة، والمهديُّ من عرف الحق سبحانه، وآثر رضاه، وآمن به. والأمر في هذه الآية مضمر؛ فمعناه اهدنا بنا- والمؤمنون على الهداية في الحال- فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة. والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد. ومعنى اهدنا أي مِلْ بنا إليك، وخُذْنا لك، وكن علينا دليلنا، ويَسِّرْ إليك سبيلنا، وأقم لنا هممنا، واجمع بك همومنا.

فصل:
اقطعْ أسرارنا عن شهود الأغيار، ولوِّح في قلوبنا طوالع الأنوار، وأفْرِدْ قصودنا إليك عن دَنَس الآثار، ورقِّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جَمْع ساحات القُرب والوصال.

فصل:
حُلْ بيننا وبين مساكنة الأمثال والأشكال، بما تلاطفنا به من وجود الوصال، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال.

فصل:
أرْشِدْنَا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال.
اهدنا الصراط المستقيم أي أزِلْ عنَّا ظلمَاتِ أحوالنا لنستضيء بأنوار قُدْسِك عن التفيؤ بظلال طلبنا، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك، فنجدك بك.

فصل:
اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها، أو يصدنا عن الوصول تعريج في أوطان التقليد، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لي معتاد من التلقين، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة، وظن أو عادة، وكلل أو ضعف إرادة، وطمع مالٍ أو استزادة.

فصل:
الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد، ونبهت عليه شواهد التحقيق، الصراط المستقيم ما دَرَجَ عليه سَلَفُ الأمة، ونطقت بصوابه دلائل العبرة. الصراط المستقيم ما باين الحظوظَ سالكُه، وفارق الحقوقَ قاصدُه. الصراط المستقيم ما يُفْضِي بسالكه إلى ساحة التوحيد، ويُشْهِدُ صاحبَه أثرَ العناية والجود، لئلا يظنَّه موجَبٌ (ببدل) المجهود.

1 | 2 | 3